Home

مشروع "نحو الحوار" يعزز أواصر الصداقة بين أتباع الأديان في العالم العربي

مشروع "نحو الحوار" يعزز أواصر الصداقة بين أتباع الأديان في العالم العربي

أنشر
مشروع نحو الحوار

لم يخطر في بال ياسين نوي ومينا بسطوروس عندما التقيا أول مرة في لبنان أنهما سيكوِّنان مع صديقتين أخريين مثالًا يُحتذى للحوار الناجح بين أتباع الأديان من الشبان في العالم العربي.

وقد شارك الصديقان في أحد برامج مركز الحوار (كايسيد) للتدريب على الحوار بين أتباع الأديان، وشاركا بعد عام من ذلك في منتدى الشباب التابع للمركز في الأردن. وياسين باحث جزائري يبلغ من العمر 37 عامًا، يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية، أما مينا فيبلغ من العمر 27 عامًا، وهو طالب في الكلية الإكليريكية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس بالقاهرة.

وتسترجع كاتي نصار ذكرياتها قائلةً: (هناك التقينا بهما) وهي باحثة لبنانية تبلغ من العمر 33 عامًا، تحمل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية المسيحية. وقد شاركت في المنتدى مع صديقتها المغربية زينب بن عبد الكريم الفيلالي البالغة من العمر27 عامًا، وهي فتاة كشافة وطالبة دكتوراه في الفلسفة.

وتضيف كاتي أن المسافات والاختلافات الدينية لم تكن عائقًا أمام تمتين أواصر الصداقة، وأنها تجربة نموذجية يمكن أن تُفيد الشبان في العالم العربي، وتضيف قائلةً إنما مشروعهم ضرورةٌ لتعزيز الحوار بين أتباع الأديان.

ويأتي مشروع "نحو الحوار" كواحد من المشاريع الستين التي يدعمها كايسيد ضمن برنامجه الحوارية لعام 2020، وهو عبارة عن سلسلة من المبادرات التي يدعمها كايسيد بغية تعزيز الحوار والتعاون بين أتباع الأديان في العالم العربي.

وكان المشروع قد تضمن ست ندوات حوارية عبر الإنترنت وستة مقاطع فيديو لمتحاورين من الأردن والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا.

وتقول كاتي إن غايتهم إثبات إمكانية تجاوز الخلافات عبر بناء علاقات متينة، حيث أنها لبنانية كاثوليكية مارونية، وزينب -المسلمة السنية المغربية- أقرب إليها من الكثير من أصدقائها المسيحيين في بلدها.

قصة نجاح

هدفت السلسلة المصورة التي أنتجتها مجموعة الأصدقاء متعددي الأديان والثقافات إلى توضيح الفرق بين الحوار والجدال. وقد كتب مينا سيناريو حلقات السلسلة الأربع باللغة العربية باستخدام اللهجة المصرية، مخصصًا الحلقة الأولى للحديث عن الصداقة بين أفراد المجموعة، مؤكّدًا على الأخوَّة فيما بينهم. وسعادتهم للعمل معًا، فقصتهم ناجحةٌ وتستحق أن يصل صداها على نطاق واسع.

حيث تمكّن الأصدقاء الأربعة من تحويل مشروعهم إلى قصة نجاح، فقد حازت الندوات عبر الإنترنت ومقاطع الفيديو ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي على فيس بوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام على تفاعل 60 ألف مشاهد.

وتقول كاتي إنَّ وقع تأثير مبادرتهم قد فاق التوقعات، لذلك قرروا تنظيم مزيد من الندوات الحوارية ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت مع الوعد بتنظيم المزيد في المستقبل.

وتؤكد كاتي، وهي خبيرة في إدارة مشاريع وسائل التواصل الاجتماعي أن المبادرة لم تكن لتُعقَد عبر الإنترنت. فحتى نهاية عام 2019، كان التوجه لعقد المبادرة بطريقة مغايرة عما هي الآن، إلى أن ضربت جائحة كوفيد-19 العالم ودفعتهم إلى تكييف خططهم مع إجراءات منع السفر والتجمعات، فكانت وسائل التواصل الاجتماعي بديلًا مناسبًا.

ويرى ياسين أن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كان خيارًا لا بديل عنه في ظل الظروف الصحية الطارئة، ولكنه فعلًا خيار مثمر، فنسبة المشاركة قد فاقت التوقعات.

تعزيز السلام

أدرك ياسين منذ البداية أن تجربة صداقته مع مينا نموذجٌ مفيدٌ للجميع. فهو مسلم ملتزم ومينا مسيحي ملتزم، ولم يشكل ذلك أية عقبة أمام صداقتهما. ويدرك ياسين ضرورة مراعاة حقيقة أن الصداقة بين أتباع الأديان أمرٌ مثيرٌ للجدل بالنسبة لبعض سكان المنطقة.

فهناك عقلية متعصبة يجب تغييرها عبر الترويج لثقافة الحوار الضرورية للتعايش المشترك، فهي انعكاس لإرادة الله. فالقرآن ينص على أن الناس قد جُعلوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وبذلك يحققون السلام. ولا يمكن إنكار صعوبة هذه المهمة وسط البيئات المتدينة الأكثر تحفظًا.

حيث تقول كاتي إنه من الصعب طرح موضوع الحوار بين أتباع الأديان في العالم العربي. فذلك يُعتبر محرمًا في بعض المناطق حيث لا يمكنك البوح بأصولك أو ممارسة طقوس كالاحتفال بعيد الفصح مثلًا.

وقد عانى لبنان، بلد كاتي، من ويلات الحرب الأهلية بين عامي 1975-1990، والتي أسفرت عن أعداد كبيرة من الضحايا والنازحين.

فهي وُلدتْ إبان الحرب الأهلية هناك، تلك الحرب التي ما زالت سوريا المجاورة تقاسي ويلاتها، وكذلك العراق لا يزال يحاول الخروج من براثنها. إنها من نتائج غياب الحوار: الحروب وظهور جماعات إرهابية كداعش. ولا يشمل ذلك العالم العربي فحسب، بل يتخطاه إلى أوروبا وأماكن أخرى. لذا يمكن للجميع الاستفادة العملية من نموذج التعايش الذي تُعدِّه كاتي مع أصدقائها.

ويعتقد مينا أنّ الجهل والمفاهيم الخاطئة إنما هي أمور تنجم عن غياب الحوار، وهي من العوامل الرئيسية المسببة للحروب والعنف في العالم العربي. فالحوار بين أتباع الأديان أسلوب لإحلال السلام في المنطقة، والأديان جُعِلت لخدمة الإنسانية وتعزيز السلام. وعليه، على الناس أن يعوا أن الحرب لا تخدم مصالح أتباع هذه الأديان.